The below opinion piece was published in CNN Business Arabic on 28th October 2025.
إلى أين يتجه الاحتياطي الفيدرالي؟
تتفاءل الأسواق المالية بأن تباطؤ سوق العمل الأميركي سيدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا الأسبوع. لكن التضخم الأميركي ارتفع إلى 3.0% في سبتمبر، مع تسجيل أسعار الغذاء والطاقة ارتفاعاً بنسبة 3.1% و2.8% على التوالي.
كان التأثير المباشر لزيادات التعريفات الجمركية الأميركية محدوداً (حتى الآن) بسبب الاستيراد والتخزين الاستباقي قبل فرض التعريفات.
لم يمرر تجار التجزئة الارتفاعات إلى المستهلك النهائي، ولم تنعكس أسعار المدخلات المستوردة الأعلى على أسعار السلع تامة الصنع. لكن توقعات ارتفاع التضخم آخذة في الازدياد، حيث ارتفعت توقعات التضخم لمدة 5 سنوات من جامعة ميشيغان إلى 3.9% في أكتوبر، من 3.7% في سبتمبر.
أهداف مزدوجة
يواجه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معضلة بين هدفيه المزدوجين المتمثلين في استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف المستدام.
هناك تداخل متزايد بين السياسة والسياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة -وشاهد على ذلك حروب التعريفات والتجارة، والتهديدات لاستقلال الاحتياطي الفيدرالي- ما يضغط على الاحتياطي الفيدرالي وهو يرسم مسار السياسة النقدية وسط تزايد حالة عدم اليقين في السياسة الاقتصادية.
ومع تجاوز الدين الوطني الأميركي 38 تريليون دولار (أسرع تراكم للديون خارج جائحة كوفيد-19)، إلى جانب عجز في الميزانية قدره 7.8 تريليون دولار في ظل التوظيف الكامل تقريباً، يزداد ضغط الهيمنة المالية، وإعادة تشكيل منحنيات العائد، وخفض أسعار الفائدة والتيسير الكمي لتسهيل إدارة الديون وخفض خدمة الديون. ستؤدي العجوزات المرتفعة الممولة نقدياً إلى زيادة الضغوط التضخمية.
هناك ضغط إضافي على الاحتياطي الفيدرالي. نما الدين الخاص الأميركي إلى أكثر من تريليوني دولار، بزيادة تسعة أضعاف منذ عام 2009، ويحتاج إلى إضافة الاستقرار المالي إلى تفويضه المزدوج في ظل تقديم شركة فيرست براندز طلب إفلاس، ونظراً للنمو غير المسبوق للمؤسسات المالية غير المصرفية غير الخاضعة للإشراف إلى حد كبير ومشكلات السيولة المتزايدة في البنوك الإقليمية (تذكر بنك سيليكون فالي وغيره).
تكلفة الائتمان والإنفاق والاستثمار
على الصعيد الإقليمي، يؤدي خفض الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي عموماً إلى انخفاض أسعار الفائدة وتيسير الظروف النقدية والمالية في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب ربط عملاتها بالدولار الأميركي (بدرجة أقل في الكويت، التي تستخدم سلة عملات).
من شأن انخفاض أسعار الفائدة المحلية أن يخفّض تكلفة الائتمان ويشجع الإنفاق والاستثمار، وبالتالي تحفيز الائتمان والنشاط الاقتصادي. تجعل الفائدة المنخفضة الأصول الخطرة مثل الأسهم والعقارات أكثر جاذبية مقارنة بالاحتفاظ بالنقد أو السندات، ما قد يعزّز أسعار الأصول.
تعني تكاليف الاقتراض المنخفضة انخفاض مدفوعات القروض ذات الفائدة المتغيرة وارتفاع دخول الأسر المتاحة وتشجّع الاقتراض للإنفاق، وكل ذلك يمكن أن يحفز الإنفاق في قطاعات مثل العقارات والسيارات والتجزئة. بالنسبة للحكومات في المنطقة، تدعم تكاليف الاقتراض المنخفضة تمويل المشاريع- سواء كان ذلك لمشاريع رؤية السعودية 2030، أو مشاريع البنية التحتية في الإمارات، أو المدن الصناعية في عُمان، مع تأثير غير مباشر في وظائف ونشاط القطاع غير النفطي.
التضخم المستورد في دول مجلس التعاون
يرتبط خفض الفائدة أيضاً بشكل عام بضعف الدولار. وفي حين أن هذا قد يؤدي إلى زيادة تدريجية في التضخم المستورد لدول مجلس التعاون الخليجي، فإنه يدعم أيضاً زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة الوافدة. سيجعل الدولار الأضعف أيضاً النفط أرخص للدول المستوردة للنفط (مثل مصر والأردن)، وبالتالي زيادة الطلب، وهو أمر إيجابي آخر لدول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط.
يعود ضعف الدولار أيضاً إلى استخدامه كسلاح، مع التحول بعيداً عن الأصول الأميركية وتزايد عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي الأمريكي. سيشجع التخلص التدريجي من الدولار على تطوير آليات دفع دولية وثنائية جديدة، تتحدى تدريجياً هيمنة الدولار.
الإفراط في تحفيز اقتصادات دول مجلس التعاون
يتمثل خطر التيسير النقدي في الإفراط في تحفيز اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، التي تنمو بالفعل بنسبة 3.9% ومن المتوقع أن تصل إلى 4.3% عام 2026 (صندوق النقد الدولي)، ما يضيف سيولة إلى أسواق الأسهم والسندات المزدهرة بالفعل، مع أسعار عقارات وأسواق أصول مبالغ فيها. أساسيات البنوك الخليجية قوية هذا العام، مع احتياطيات رأسمالية قوية وجودة أصول إلى جانب مستويات منخفضة نسبياً من الأصول المتعثرة وميزانيات أكثر صحة. كانت المؤسسات المالية غير المصرفية، وصناديق التحوط، والائتمان الخاص، والتكنولوجيا المالية، وقطاع العملات المشفرة مزدهرة أيضاً. لكن في الأوقات الجيدة والتفاؤل تُرتكب الأخطاء، ويصبح المقترضون والمقرضون مفرطين في التوسع، إلى جانب تزايد الرافعة المالية، وتتراكم مخاطر الائتمان والمخاطر المالية، وتلوح الأزمة في الأفق. يجب أن يكون التنسيق الأكبر بين السياسة المالية والنقدية على رأس الأولويات، ويجب على الجهات التنظيمية في دول مجلس التعاون الخليجي أن تبدأ في تطوير وتنفيذ أدوات الاحتراز الكلي، بما في ذلك احتياطيات رأسمالية أعلى ورقابة أكثر صرامة على صناديق العقارات وأسواق الرهن العقاري والقطاع المالي غير المصرفي.








